لمحة عن الأدب في العصر العباسي

لمحة عن الأدب في العصر العباسي:

اعتاد مؤرخو الأدب أن يقسموا العصر العباسي إلى عصرين أدبيين :

العصر الأول من عام 132ه إلى 334 ه .

العصر الثاني من عام  334 ه إلى 656 ه أي إلى آخر العهد العباسي .

الشعر في العصر العباسي الأول:

تأثر هذا الشعر في هذا العصر بمظاهر الحياة الاجتماعية الجديدة وبصورة خاصة بالحضارتين الفارسية واليونانية فقد أسلم الفرس وتعلموا العربية وآدابها فكانوا منهم الشعراء والكتاب أمثال بن المقفع وابن الرومي فنقلوا إلى العربية الشيء الكثير من أدب الفرس وحكمتهم كما نقل المترجمون كثيرا من العلوم والفنون كالمنطق والفلسفة والفلك والرياضيات والجغرافيا .

وظهر أثر كل ذلك في تطور العقلية العربية الإسلامية بصورة عامة وفي تقدم الشعر بصورة خاصة أضف إلى ذلك اهتمام الخلفاء العباسيين بالشعر وتقديمهم الشعراء وإغداق العطايا عليهم ولقد كان للموسيقى ومجالس الغناء والترف الذي كان عليه أهل ذلك العصر أثر كبير في تقدم الشعر ويمكن إجمال التغيرات التي طرأت للشعر في هذا العصر من ناحية أغراضه وأوزانه فيما يلي :

قديمة تطورت وتشكلت بشكل خاص منها :

استعماله في العصبية بين العرب والعجم بينما كان لا يستعمل إلا في العصبية القبلية وسمي هذا النوع بشعر الشعوبية ؛

استعماله في السياسة بين شيعة العلويين وبنو العباس وقبلا كان بين بني هاشم  وبني أمية.

تنوع الوصف فبعد ماكان مقتصرا على طبيعة الصحراء وما يحيط بالشاعر من بيئة بسيطة شمل في هذا العصر مظاهر الحضارة الجديدة كلها كالقصور ومجالس اللهو والبساتين كما شمل الآثار القديمة ووصف أدوات الصيد وما إلى ذلك .

زاد استعماله في المجون والخلاعة والفسق كما في شعر أبي نواس وأمثاله .

نظموه في الحكم ونظم الأمثال وكانت الحكمة قبل ذلك العصر بسيطة أما في العصر العباسي الأول فقد دخلتها الفلسفة والحكمة الفارسية وظهر ذلك جليا عند الشعراء كأبي تمام مثلا .

المدح صار وسيلة للتكسب ولم يبق معنى من معانيه إلا تناوله شعراء هذا العصر .

الهجاء صار مقدعا فاحشا يقوم على التهكم وتصوير المهجو بصورة ضاحكة كما نجد عند ابن الرومي .

أغراض جديدة مبتكرة :

الغزل بالمذكر:

ولم سبق للعرب معرفة به ونما صدر عن أبناء الموالي كأبي نواس .

الإغراء في وصف الخمرة ومجلسها وسقاتها وأدواتها:

وقبل هذا العصر لم يكن يصفها إلا شعراء النصارى لأن الإسلام منع ذلك على المسلمين وفي هذا العصر جهر الشعراء بشربها ووصفها وأبدعوا في ذلك إبداعا منقطع النظير وكان أبو نواس زعيم الشعر الخمري .

شعر الوعظ والإرشاد والتزهيد في الدنيا والنهي عن التمادي في الشهوات والملذات وكان هذا الشعر دلالة قوية على الفسق والفجور اللذين إنتشرا إنتشارا كبيرا وكان حامل لوائه أبو العتاهية .

نظم القصص والحكايات للوعظ والإرشاد كما نجد في كتاب كليلة ودمنة لعبد الله بن المقفع .

نظم العلوم والمسائل الفقهية والعبارات لتسهيل حفظها .

الألفاظ والأساليب:

ظهر فيها أثر الحضارة واضحا .

هاجر الشعراء الألفاظ الغريبة لا ما نذر .

قَلَّ الارتجال وكَثُرَ التنقيح والتهذيب معا .

مال الشعراء إلى سهولة اللفظ ورقته في مواضيع المجون والغزل وإلى فخامته في المواضيع الجدلية كالمدح والفخر .

دخل الشعر كثير من الألفاظ الفارسية والأعجمية .

إسراف لشعراء في استعمال المحسنات البديعية كما نجد في شعر أبي تمام ومسلم بن الوليد .

الشعر في العصر العباسي الثاني:

منذ منتصف القرن الرابع الهجري انقسمت الدولة العباسية وأصبحت دول مستقلة يتنافس أمرائها وملوكها في ٱجتداب الشعراء والعلماء إليهم فكان الانقسام السياسي من أهم عوامل الرقي في الشعر والأدب والعلوم كما أن الوسائل التي بذلت لإنهاض العلوم والفنون عن طريق الترجمة أخدت تؤتي ثمارها في هذا العصر فانتقل العرب فيه من طور الترجمة إلى طور التمثيل والإنتاج والاختراع وتَلَوَّنَ الشعر بهذه الثقافات الحديثة وتلك الحضارات المختلفة وتحرر من آثار البداوة إلى المحافظة في صفاء أسلوبها وروعة بيانها .

ويمكن تلخيص تطورات الشعر في هذه المرحلة فيما يلي :

ظهور الشعر القومي الإقليمي بدل الشعر العربي الذي كان يكافح الشعوبية في العصر العباسي الأول .

اثر الحكمة والفلسفة والتصوف كشعر الحلاج والمتنبي والمعري ؛ فقد سادت الفلسفة فيه بدل سذاجة الخيال التي كانت طابع العصر العباسي الأول ومن الشعراء الفلاسفة في هذا العصر أبو العلاء وابن سينا .

كما كان الحلاج أشهر شعراء التصوف في هذا العصر.

كثرة وصف الوقائع الحربية لكثرة الحروب بين المسلمين والروم .

إمتاز شعر كل إقليم بلون خاص فسلك الشعر الشامي مسلك الشعر في العصر العباسي الأول من حيث جزالة الأسلوب وفخامته وكثرة المعاني ودقتها وسعة الخيال ودقة الوصف والإكثار من الحكم والآراء الفلسفية فكان الشعر الشامي في هذا العصر أقوى الشعر العربي على الإطلاق وخير من يمثله أبو الطيب المتنبي ، أبو العلاء المعري ثم أبو الفراس الحمداني .