أنياب تدافع عن الأشجار

أنياب تدافع عن الأشجار


مع تطوّر العلوم، بدأت الأشجار تكشف أكثر فأكثر عن خصائصها وأسرارها. كُتب ودراسات ومقالات كثيرة صدرت في السنوات الأخيرة حول هذا الموضوع، وأكّدت أنّ هذه الكائتات الدهريّة ليست أسيرة صمتها، فهي تعيش وفق نظام متكامل ومعقّد. تتواصل في ما بينها. تصغي إلى ما يجري حولها، وتستشعر، بطريقتها الكيميائيّة الخاصّة، الخطر الداهم، بل وتحاول أن تدافع عن نفسها.

بالإضافة إلى منافعها النفسية والجسدية التي أفصحت عنها دراسات عدّة كان آخرها دراسة أعدّها عالم البيولوجيا الياباني كينغ لي، فهي تُطعمنا وتنقّي الهواء الذي نتنشّقه بتحويلها ثاني أُكسيد الكربون إلى أُكسيجين. تأوي العصافير وتفرش الظلال. تُستعمَل في التدفئة وصناعة الأبواب والنوافذ والمراكب والورق وبعض الآلات الموسيقية... تُصنَع منها أيضاً أعقاب البنادق، ما يحيلنا إلى قَوْل المتنبّي: "كلّما أنبتَ الزمانُ قناةً ركّبَ المرءُ في القناةِ سِنانا".

أمّا الأشجار نفسها فهي كائنات مُسالمة لا تمتلك أسلحة ولا تخوض حروباً. إنها، بخلاف ذلك، تعاني من وجود الإنسان على الأرض ومن استباحته الكاسحة لها، هو الوحيد القادر على إفناء جنسه والأجناس الحيّة الأخرى بأكملها.
ولئن كانت الشجرة المعمِّرة تلامس الأبديّة وتعيش بعض أصنافها مئات وألوف السنين، ومنها شجرة الأرز التي تبسط أغصانها كأجنحة كبيرة تعانق الكون، فإنها تتعرّض الآن لشتّى أنواع التنكيل والإبادة.

بعض الغابات يتهدّده خطر الاندثار الكامل. وقد تدمّر خلال القرن العشرين، لا سيّما في النصف الثاني منه، ما يزيد عن خمسين بالمئة من غابات العالم. ارتفاع نسبة قَطع الأشجار يَطول أيضاً الغابات الاستوائية وفي مقدّمها غابة الأمازون. وثمة بلدان في إفريقيا وآسيا فقدت قرابة ثمانين بالمئة من ثروتها الحرجيّة. فهل تستطيع البشريّة أن تعيش من دون الغابات والأحراج؟ أليس تدميرها جزءاً من تخريب البيئة الطبيعيّة والقضاء على الأنواع الحيّة؟ ألا يضاعف هذا التعامل معها ظاهرةَ الاحتباس الحراري وزيادة نسبة الجفاف والتصحُّر؟ الشركات العالميّة الكبرى المدعومة من قبل الحكومات لا تلتفت إلى هذا النوع من الأسئلة، ولا إلى حياة الإنسان على الأرض أصلاً...

قبل أن تصبح الغابات والأشجار مادّةَ بحث علمي، كانت ولا تزال موضوعًا أدبيًّا وفنّيًّا يتداخل فيه الواقع والمُتَخيّل. لقد حضرَت الغابات في أقدم النصوص المكتوبة. جاء في "ملحمة جلجامش" وصفاً لإحدى مغامرات جلجامش وأنكيدو: "وقَفا مذهولَين ينظران إلى جمال الأرز (...) الأرز أمامهما يطول السماء. ظلُّه وارف، يملأ القلب بالفرح والبهجة".

في إحدى المناطق بأمريكا، اكتشف العلماء وجود نوع من أشجار النخيل، يتميز بأسلحة دفاعية، لا مثيل لها في عالم النبات تتمثل في أشواك بارزة حادة، تلتف حول جذع وساق الشجرة تشبه الأنياب.
  ولفترة طويلة،تملكت الحيرة العلماء بسبب وجود هذه الأسلحة ثم اكتشفوا حقيقة مهمة، هي أن المنطقة التي تنمو فيها هذه الأشجار مليئة بالفئران والحشرات، التي اعتادت تسلق الأشجار،  والهجوم على ثمارها لذلك امتلك جهاز المناعة عندها، هذه الأشواك الشبيهة بالأنياب، لمقاومة كل من يفكر بتسلقها.

 فالأشواك كفيلة بإصابة المعتدي بجروح دامية، قد تصل إلى قتله، مما جعل العلماء يتأملون بدهشة، غرائب الجهاز المناعي عند هذه الأشجار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

MODAKRATI تصميم بلوجرام © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.