مقالة مقارنة بين الفلسفة اليونانية والحديثة للسنة الثانية ثانوي

 

مقالة مقارنة بين الفلسفة اليونانية و الحديثة (السنة الثانية ثانوي )👇

مقدمة : لقد مر التفكير الفلسفي منذ نشأتها بمحطات تاريخية كبرى ، قسمت حسب العصور الحضارية للانسان فكانت الفلسفة اليونانية هي فجر التاريخ الفلسفي ممهدة لفلسفات أخرى في العصر الوسيط ثم الحديث الذي تميز بفلسفة خاصة لكن غالبا ما لايميز الكثير بين الفلسفة الأوربية الحديثة و الفلسفة اليونانية بحكم التشابه الكبير ، ورفعا لهذا الغموض ، نتسآءل :كيف يمكن التمييز بين الفلسفتين ؟ وماطبيعة العلاقة بينهما ؟

أوجه الاختلاف : ان الدارس لتاريخ الفلسفتين يكتشف أنهما يختلفان في عدة نقاط أهمها : 

من حيث النشأة فالفلسفة اليونانية تعتبر فجر وبداية التفكير الفلسفي الحقيقي ، هذا مع العلم أنها تأثرت بما قدمته الحضارات الشرقية القديمة من علوم وتأملات 

بينما الفلسفة الحديثة جاءت متأثرة بما وصل من انتاج فكري يوناني عن طريق المسلمين و كذلك بالفلسفة الاسلامية في حد ذاتها 

و ثانيا من حيث المباحث ، فالفلسفة اليونانية تطرقت للوجود مع الفلاسفة الطبيعيين مثل أنكسمانس و طاليس وغيرهم ثم تطرقت الانسان مع سفراط وتلاميذه 

بينما الحديثة ركزت على الانسان وجعلته محور بحثها فبحثت في المعرفة و المجتمع و العلم و غيرها مما له علاقة مباشرة بحياة الانسان 

أخيرا من حيث ظروف النشأة فالحضارة اليونانية كانت تشهد سيطرة كبيرة التفكير الاسطوري و الخرافي لذا جاء الفلاسفة ثورة عليه ....

بينما العصر الوسيط في اوربا سيطرت عليه النزعة الدينية و الكنسية المسيحية و احتكرت كل شيء لتأتي الفلسفة الحديثة ثورة على هذه النظرة ....

أوجه التشابه : إن هذه الاختلافات و الفوارق لا تمنع وجود نقاط تلتقي فيها الفلسفة اليونانية و الحديثة وهي كثيرة نذكر أهمها : 

أولا كلاهما كان فلسفة تحرر العقل وتدعو إلى إعلائه ووضعه فوق كل إعتبار و جعل طريقه هو طريق الحق و السعادة مثل : أفلاطون قديما وديكارت حديثا ...

كلاهما فلسفة إنسانية قدست الانسان ودعت الى استثمار الفلسفة فيما ينفعه متجاوزة النزعة التي تجعلمن الانسان مجرد قربان الاهي او خادم الدين ...

كلاهما فلسفة نقدية ثائرة على المعتقدات السائدة سواء كانت دينية أسطورية إجتماعية وغيرها مثل : ثورة سقراط على الديمقراطية و الخرافة و ثورة جون لوك و فرانسيس بيكون غلى الاوهام و الاعتقادات الطاغية ...

أوجه التداخل : 

ان هذا التقارب و التشابه يأخدها إلى تصور علاقة تربط بينهما ، فالمتأمل في تاريخ الفلسفتين يجد أن كثيرا من الارث اليوناني وجد في العصر الحديث و تجلى في فلاسفته و أفكارهم فالفلسفة الحديثةتأثرت بالفكر اليوناني وواصلت طريق التفكير ورسالة الفلسفة عبر العصور ،فالمذهب العقلي الحديث عند ديكارت تعود أصوله الى سقراط و افلاطون و المذهب الاستقىرئي تعود أصوله الى السوفسطائيون و الامثلة على ذلك كثيرة لذا يقال : الفلسفة اليونانية هي النهر الجاري الذي تشرب منه كل حضارة متعطشة للتفلسف " 

خاتمة : في الاخير نجد أن الفلسفات عبر التاريخ و إن كانت تبدو متعددة في ظاهرها إلى أنها تبقى واحدة في الرسالة و الهدف العام وما العلاقة بين الفلسفة اليونانية و الحديثة إلا مثال يجسد هذه الوحدة و التكامل .


مقالة جدلية : هل تجاوزت الفلسفة الحديثة سلطان الفكر التقليدي بالعقل أم بالتجربة ؟ 

نص السؤال: هل مصدر المعرفة هو العقل أم التجربة؟ 

لقد عاشت الحضارة الاوروبية في القرون الوسطى أحد أسوأ لحظات تاريخها و أكثرها تخلفا ، حتى سميت تلك العصور بعصر الظلمات لان الكنيسة أحكمت سلطتها على العقل وكبلته ، إلى أن جاءت الفلسفة الحديثة محاولة تجاوز هذا النوع من التفكير وتحرير المعرفة الانسانية لكن هذا ولد جدلا وصراعا فكريا عنيفا بين إتجاهين هما العقلانيين والتجريبيين حول أصل المعرفة ومصدرها، ولرفع هذا التعارض والجدال بين النزعتين حق لنا أن نتساءل: هل المعرفة الإنسانية سبيلها العقل  أم أن للحواس والتجربة دور فيها  ؟

للإجابة عن السؤال هنالك إتجاهين كبيرين يقدمان طريقين متناقضين لتجاوز الفكر الكنسي هما : 

الموقف الاول : 

  ما يتبناه أنصار النزعة العقلية أمثال "ديكارت"، الذين يعتقدون أن العقل هو المصدر الأول لنهل المعرفة الإنسانية وليس التجربة، لأن جميع المعارف تنشأ عن المبادئ العقلية القبلية والضرورية الموجودة فيه، وبالتالي فمعارف الإنسان عقلية لأن: المعرفة الحقيقية ترتد إلى ما يميز الإنسان وهو العقل لا الحواس، ولأن العقل قوة فطرية في الإنسان تحمل مجموع المبادئ القبلية المنظمة للمعرفة، من هنا اعتبر العقليون العقل المصدر الأول للمعرفة، والأداة الأساسية لكل استدلال منطقي، مما يعني أنه لا معارف صحيحة ولا حقائق يقينية مقبولة دون ردها إلى العقل ومبادئه الأساسية، لأنه جوهر الفكر وأصل المعارف كلها، ومن أشهر المدافعين عن هذا الاتجاه حديثا: "ديكارت"، "ليبتنز"، "مالبرانش"، ويبررون موقفهم بالتأكيد على أن جميع معارفنا تستمد وحدتها وصفاتها اليقينية من العقل، لأن مبادئه يقينية، فلا بد أن تكون المعرفة المستمدة منه بدورها يقينية، ولهذا رفض هؤلاء المعرفة الحسية لأنها تحمل الخداع والشك والتغير فموضوعها عالم الأشياء ومعطياتها نسبية، وبفضل العقل يكتشف خداع الحواس،كما يؤكد العقليون أن المعرفة العقلية أو الحقائق التي يتوصل إليها بالعقل تتصف بأنها كلية وصادقة، فهي شاملة لأنه يمكن تعميمها على كل العقول البشرية في كل مكان وزمان، وهي قضايا صادقة صدقا ضروريا، لا يتطرق إليها الشك، وتتصف بالبداهة والوضوح،  لهذا قال أحد فلاسفتهم: "لا توجد وظيفة أسمى من العقل"، ضف إلى هذا يؤكد الديكارتيون "سبينوزا"، "مالبرانش"، "ليبنتز" أن إدراك الحقائق الحدسية كالله، النفس والامتداد وربط العلاقات بين خصائص الأشياء وإصدار الأحكام واستنباط النتائج، وتعميمها أساسها فعل العقل ومبادئه الأساسية، ومن هنا تستمد الرياضيات يقينها وقيمتها كنموذج للوضوح والبداهة، لهذا يقول "باركلي": "إن مختلف الإحساسات أو الأفكار المطبوعة في الإدراك الحسي مهما كانت مختلفة أو مركبة لا يمكن أن توجد بأي شكل آخر إلا في عقل يدركها". وبناء على هذا كان العقل هو مصدر المعرفة والميزان الضروري لكل الحقائق.

النقد : 

لكن ورغم ما قدمه أنصار هذا الاتجاه من أدلة وحجج لتبرير موقفهم إلا أنهم قد تعرضوا للعديد من الانتقادات، ومما يؤاخذ عليه هؤلاء أنهم يسلمون بوجود أفكار فطرية مطلقة الصحة واليقين، رغم أن كل الدلائل في الواقع تكذب هذه الصحة المنطقية لأن المعايير تتبدل وتتغير، ، فالوضوح مثلا لا يصلح كمعيار صحيح في كل الأحوال...كما أن الأطر والمبادئ القبلية للعقل ليست ثابتة بل يمكن أن تتطور وتتعدل بحسب الخبرة والتجارب، وتاريخ المعرفة يشهد بذلك، بدليل تطور الرياضيات كمفاهيم عبر العصور التاريخية وهذا ما يؤكد نسبية المعيار العقلي، ضف إلى هذا أن العقل لا يبدع المعرفة ويخلقها وإنما يجردها من مضامينها بمعنى أن صورة المعرفة ذاتية عقلية لكنها من حيث المضمون فهي موضوعية واقعية. كما أن الفلاسفة العقليين قد بالغوا في تفسيرهم للمعرفة لأنهم ركزوا على العقل كمصدر للحقائق التي يتوصل إليها الإنسان وأهملوا دور الحواس والتجربة وهذا ما يؤكد بأن هناك معيارا آخر للمعرفة. كما أن العقل قاصر وليس بالملكة المعصومة عن الخطأ، ولو كان العقل كما قال ديكارت أعدل قسمة بين الناس لتساووا في المعرفة ولعرفها الإنسان دفعة واحدة إذ الواقع يؤكد الاختلاف المعرفي بين الناس وتفاوتهم.....

الموقف الثاني : 

وفي المقابل يعتقد التجريبيون وعلى رأسهم "فرنسيس بيكون"، "جون لوك"، "دفيد هيوم" أن التجربة الحسية هي أساس المعرفة ومصدرها الأول، فكل ما يحصل عند الإنسان من معارف ومكتسبات يرد إلى الواقع الحسي، ومن هنا ينكر التجريبيون وجود مبادئ عقلية فطرية قبلية، لأن كل المعارف بعدية تكتسب بالتجربة، لهذا يؤكدون أن العقل يولد صفحة بيضاء خالية من أي أفكار فطرية، فهو لا يعرف شيئا ويبدأ في اكتشاف العالم الخارجي عن طريق الحواس لأن من فقد حاسة فقد المعاني المتعلقة بها، فالبرتقالة يصل إلينا لونها عن طريق البصر ورائحتها عن طريق الشم وطعمها عن طريق الذوق وحجمها عن طريق اللمس ولو تناول هذه البرتقالة أعمى فإنه يحيط بكل صفاتها إلا لونها يقول لوك: "لنفرض أن العقل صفحة بيضاء خالية من جميع الصفات، فكيف يمكن أن يكتسب الإنسان ذلك إني اجيب عن هذا السؤال بكلمة واحدة بالتجربة فهي أساس كل معارف الإنسان"، ولو العقل مصدرا للمعرفة أيضا لكان حظ الناس من المعارف متساويا، والواقع يثبت عكس ذلك، يقول "جون لوك": "لو كان الناس يولدون وفي عقولهم أفكار فطرية لتساووا في المعرفة"، لهذا لا وجود لشيء في الذهن ما لم يكن من قبل في الحس حسب رأي "لوك"، ويقول "دفيد هيوم": "لا شيء من الأفكار يستطيع أن يحقق لنفسه ظهورا في العقل، ما لم يكن قد سبقته ومهدت له الطريق انطباعات مقابلة له"، لذلك فمصدر المعارف كلها أساسه التجربة الحسية وما العقل إلا مرآة عاكسة للواقع، ومستودع للمعرفة وأداة منظمة لها. يقول "جون ستيوارت مل": "إن الخطوط والأشكال والدوائر الموجودة في الأذهان ما هي إلا نسخ طبق الأصل للخطوط والأشكال والدوائر الموجودة في الطبيعة". ويقول "دفيد هيوم": "أنا لست إلا حزمة من الإدراكات الحسية، كل الأفكار نسخ مباشرة أو غير مباشرة من الانطباعات الحسية". كل هذا يؤكد أن التجربة هي المصدر الأول للمعرفة ولا شيء قبلها.

النقد :

لكن هذا الاتجاه الذي يؤسس المعرفة على التجربة كمصدر وحيد لها واجهته انتقادات عديدة منها: أن التجربة الحسية مهما كان لها دور ومن قدرة في تحصيل المعارف فإنها تبقى غير كافية، على اعتبار أن مضامين المعرفة الإنسانية وموضوعاتها ليست كلها تجريبية. ثم كيف للمعارف التجريبية أن تأخذ مدلولاتها ومعانيها إن لم يكن هناك عقل ينظمها، ويفهمها ويضفي عليها صبغة المعرفة؟ فكما أن كومة الحجارة لا تصنع بيتا لوحدها، كذلك مجموع الانطباعات الحسية لا يمكنها أن يبني معرفة. لهذا فأنصار هذا الاتجاه قد بالغوا بدورهم في تفسير المعرفة لأنهم أهملوا دور العقل في الوصول إلى الحقائق وركزوا على دور الحواس مع أنها قد تخدع الإنسان و كما أنه لو كانت الحواس مصدرا للمعرفة الإنسانية لشاركتنا فيها البهائم (الحيوانات)....

التركيب : 

إن الصراع والجدال الفلسفي بين الاتجاهين العقلاني والتجريبي حول مصدر المعرفة أدى إلى ظهور موقف يوفق بين هذين الاتجاهين وينتقد في الوقت نفسه دور العقل والحواس ويبين حدود كل منهما، وقد تبنى هذا الاتجاه الفيلسوف "إيمانويل كانط" مؤسس الفلسفة النقدية، حيث يؤكد أن عملية المعرفة تبدأ من التجربة الحسية المتمثلة في الانطباعات التي تنقلها إلينا الحواس عن الأشياء، لكن هذه المادة المعرفية لا يكون لها معنى محدد إلا إذا تدخل العقل، ورتبها ونظمها وفق تصوراته ومقولاته، فعالم الأشياء والظواهر كما تنقله لنا الحواس حسب كانط مجرد شتات معرفي لا يمكن فهمه إلا بواسطة العقل الذي يجمع هذا الشتات وينظمه على شكل معارف بفضل مقولاته الأساسية، يقول "كانط": "ينبغي إذن أن يتقدم العقل إلى الطبيعة ماسكا بيده مبادئه التي تستطيع هي وحدها أن تمنح الظواهر المتطابقة سلطة القوانين، وباليد الأخرى التجريب الذي تخيله وفق تلك المبادئ حتى يتعلم من الطبيعة لا محالة"، وانطلاقا من هذا التصور يتضح أن المعرفة عند "كانط" عملية مركبة يساهم فيها العقل والحواس معا. (الرأي الشخصي)

الخاتمة : 

ختاما ومما سبق نستنتج أن الإنسان الحديث وجد انه   مهما كان عاقلا فإن العقل لا يكفي لوحده كمصدر للمعرفة، كما أن التجربة أيضا تبقى قاصرة لوحدها لهذا كانت المعرفة الإنسانية عملية تركيب بين ما هو عقلي وما هو تجريبي لهذا قال "كانط": "الحدوس الحسية بدون مفاهيم تظل عمياء، والمفاهيم بدون حدوس حسية جوفاء". إذن المعرفة مصدرها العقل والتجربة معا وبالتالي فهي ليست فطرية وليست مكتسبة فقط بل هي فطرية ومكتسبة في الوقت نفسه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

MODAKRATI تصميم بلوجرام © 2014

يتم التشغيل بواسطة Blogger.